موسيقيون يشخصون مشاكل الموسيقى الأردنية

ثقافة وفن: موسيقيون يشخصون مشاكل الموسيقى الأردنية

في الوقت الذي تسعى فيه هيئات ثقافية وفنية لإرساء أو تقديم فعل فني ينهض بالحالة الموسيقية الأردنية ويعمق امتدادها العربي، مرتقياً بالذائقة الفنية لدى المجتمع، تغيب عناصر أساسية تحمل هذا المشروع وتسير به نحو حالة تنويرية تثقف المجتمع، ومنها التربية والتعليم والبنى التحتية والتشريعات والقوانين الناظمة.

وفي اليوم الذي تحتفي به الموسيقى بيومها العربي التسعين، تغيب بوصلة الموسيقى الأردنية عن تأصيل حالة إبداعية مجتمعية، تعكس مدى المهارة التي يمتلكها أفراد وموسيقيون أردنيون يشار لهم بالبنان، بالنظر إلى مشاريعهم التي انطلقت من الأردن نحو أفق عربي وعالمي، دون أن يحظوا هم وغيرهم من المواهب بقاعدة يستندون إليها، ويعلون من أسسها المهنية لنشر ثقافة الموسيقى في المجتمع الأردني واكتشاف المواهب والطاقات القادرة على تأسيس حالة جمعية تعرف نفسها عربياً ثم دولياً.

تقول الدكتورة رولا جرادات، لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، إن المجتمع عامل أساسي وحاسم في قبول تعليم الموسيقى، وتشجيع أصحاب المواهب منذ الطفولة على الانخراط في دورات تصقل مواهبهم وتنمي خبراتهم.

وتضيف جرادات: “الموسيقى هي مقياس حضارة أي دولة، ونحن نعاني من عدم تقبل المجتمع لفكرة توجه الناس نحو دراسة الموسيقى وتعليمها، فكل أصحاب التجارب الناجحة الذين حققوا حضوراً مهماً على مستوى عالمي، حظوا بتشجيع الأهل على الانخراط في الحراك الموسيقي، مما نتج عنه أن الكثير من موسيقيينا يحملون درجات علمية وأكاديمية كبيرة، ولهم حضورهم خارج الأردن، بينما لا يعرفهم أحد بيننا”.

وتؤشر مؤسسة فرقة “نايا” النسائية، إلى موضوع الخلل، بالقول: “لا توجد مهرجانات موسيقية متخصصة في الأردن، على غرار مهرجانات المسرح مثلاً، علينا تثقيف المجتمع موسيقياً وتنظيم مهرجانات متخصصة في كل الآلات، ودعوة الناس للحضور للتثقف والاطلاع، وتأكيد حالة العروض الموسيقية الدائمة التي تمنح الموسيقي الأردني فرصة الاحتكاك وتبادل الخبرات مع زميله من الخارج”. وفيما يتعلق بإنشاء دارا للأوبرا، تقول جرادات إنه لا يوجد قرار حتى الآن بإعادة النظر في إنشاء مشروع دار الأوبرا، رغم أنها في حال إنشائها ستخدم الموسيقى الأردنية وتعمل على إنعاشها وتقدمها.

وتشير إلى انه “باستثناء مصر التي يوجد فيها دار أوبرا عريقة بموسيقيين محليين، نجد أن دور الأوبرا في الامارات والكويت وسلطنة عُمان لا يملكون موسيقيين من بلدانهم، غالبيتهم من الجنسيات العربية والأجنبية، ونحن لدينا في الأردن موسيقيون مهرة وأساتذة كبار ومحترفون، يستطيعون إدارة الشأن الموسيقي على كل المستويات، بدليل انتشار الموسيقي الأكاديمي الأردني والطلب على حضوره في مختلف أرجاء الوطن العربي”.

وتبين جرادات أنه في حال إنشاء دار للأوبرا في الأردن، سيعود النفع على الحالة الموسيقية، عبر إطلاق فرق اوركسترا وتخت شرقي محترفة جاهزة للتعامل مع كل الفنانين الأردنيين والعرب، كما سيتم تعميم ثقافة الأوبرا على المجتمع والتعرف على قيمة الفن، فدار الأوبرا جزء من التوعية الموسيقية للمجتمع، وبالتالي سيبدأ المجتمع بتقبل فكرة انخراط أبنائه في الحراك الموسيقي. وتلفت إلى أنه: “يمكننا وضع منهاج للتربية الموسيقية في المدارس والجامعات، وإقامة مهرجانات متخصصة على مدار العام، وزيادة عدد مراكز التدريب والاستديوهات لتعميم ثقافة الموسيقى على الجميع”.

ويتفق المؤلف الموسيقي وعازف العود، علاء شاهين، مع رأي جرادات، مبيناً أن معظم أبناء المجتمع الأردني يعتبرون مهنة الموسيقى أمراً ثانوياً، ولا ترتقي للمهن الأخرى، مؤكدا أنه: “لا بد من ترسيخ أهمية الموسيقى في أذهان الناس، وتعريفهم بأنها مادة علمية لها قواعدها وتدرس بأرقى الجامعات، وأنها مهنة تدر الكثير من الأموال في حال تم العمل عليها بصورة صحيحة”.

ويقول شاهين إن على المجتمع الاقتناع بأهمية الموسيقى، لكي يحفز أبناءه على التوجه نحو احتراف المهنة، لافتا إلى أنه دور يقع بالدرجة الأولى على عاتق المؤسسة الرسمية، وكذلك وسائل الاعلام التي عليها أن تنبّه لأهمية أن تكون الموسيقى عصباً رئيساً في مناحي الحياة، لا سيما في تنشئة الأطفال، وبالتالي يمكننا أن نجد مجتمعاً واعياً يقدر الفن”.

من جهته، يقول الفنان واستاذ الموسيقى، أحمد الكردي، إنه عمل معلماً للموسيقى في إحدى المدارس الخاصة بعمان، لكن الكردي يشكو من عدم توفر المعينات اللازمة لخلق جيل موسيقي صحيح.

ويضيف: “عندما كنت تلميذاً، كانت حصة الفن للهو والتسلية وإشغال الفراغ، وهذا ما ينطبق على معظم المدارس الحكومية حتى اليوم، لكن هناك بعض الاهتمام بالأمر في بعض المدارس الخاصة، التي توفر قاعة أو مسرحا لتعليم الموسيقى للطلاب، لكن الجو غير الصحي الذي يرافقنا كمعلمين، يمنعنا من أداء رسالتنا تجاه الطلبة بشكل صحيح”.

ويفسر الكردي الأمر بالقول: “بعض مدراء المدارس يعتبروننا وكأننا سحرة، وأننا سنقوم بتقديم مواهب فنية كبيرة على صعيد الغناء والعزف أو التأليف منذ الشهر الأول، وهذا أمر مستحيل، لأننا نتعامل مع طلاب غالبيتهم لم يقتنوا في حياتهم آلة واحدة، والمتفوق فيهم على زملائه، يرتكز على (حفظ سماعي) لما يملك من معلومات، فمن الصعب تحويل طالب من نقطة الصفر إلى المستوى المقبول، عبر الاجتماع به وزملائه بالصف مرتين فقط في الأسبوع”.

ويؤشر الكردي إلى مسألة يصفها في غاية الأهمية، وهي: “يطلب منا مديرو المدارس، تأسيس كورال لطلاب المدرسة مكون من مغنين وعازفين، بهدف الاستعداد لحفل نهاية العام، والتعامل مع طلبة يرغبون بتعلم الموسيقى والغناء، دون أن يكون لديهم فكرة عن الأمر، كما ينظر بعض أصحاب المدارس إلينا، على أننا مشغلو حصص الفراغ ليس أكثر”.

أما المؤلف الموسيقي واستاذ الموسيقى في الجامعة الأردنية، الدكتور هيثم سكرية، يقول إنه كان رئيساً للجنة مراجعة الخطط الاستراتيجية لدى وزارة التربية والتعليم، للوقوف على خطة تفعيل الموسيقى واعطائها للطلاب بشكل يستحق، وأن اللجنة أشرفت على إعداد مناهج تربية موسيقية من الصف الأول حتى العاشر، لكن المشروع توقف بدون إبداء أسباب.

ويضيف القائد الأوركسترالي: “كل العالم المتقدم في الموسيقى يوجد لديه “كونسرفتوار”، يستقبل الطلبة منذ الابتدائي ويوجه ميول الطلبة الموسيقية منذ الصغر، فينتهي الطالب من مرحلته التعليمية، وهو مثقف موسيقي على مدى سني دراسته، ويصل إلى الجامعة بمستوى أعلى من الطلاب الذين يبدأون دراسة تخصص الموسيقى في الجامعات، وهذا ما ينعكس إيجاباً على المستوى الفني”.

ويشرح سكرية: “في الأردن يتم استقبال طلبة الموسيقى بعد نجاحهم في الثانوية العامة، ومعظمهم لا يملكون أي فكرة عن الموسيقى، وغالبيتهم يقودهم معدلهم إلى التربية الموسيقية دون أي موهبة أو رغبة منهم”.

ويؤكد مؤلف “سيمفونية المملكة الاردنية الهاشمية” التي قدمت برعاية ملكية في قصر الثقافة خلال الاحتفالات بمئوية تأسيس الدولة الأردنية ضرورة وجود إرادة وقرار سيادي بتفعيل مناهج التربية الموسيقية في المدارس، والاهتمام بالحصص الصفية وزيادة عدد حصص الموسيقى، مبينا أن الموسيقى أكثر جذباً للمتلقي وهي تدخل كل بيت ونسمعها في كل مكان نتواجد فيه، ولدى الدول المتقدمة، تعد قوة ناعمة.

ويلفت إلى أنه في سياق التنوير ومحاربة مختلف أشكال التعصب والتطرف فإنه لا يوجد موسيقي لا يتقبل الرأي الآخر، والموسيقي منفتح على الحوار مع الآخرين، فوظيفة الفن تهذيب المجتمع وتحصين أفراده من أي عوامل خارجية متطرفة.

وحول إنشاء دار أوبرا، يرى سكرية أنه “لا توجد إرادة حقيقية لإقامة دار الأوبرا، لوجود ايدولوجيات ترفض الفكرة، بسبب عدم القناعة بأهمية ورمزية دار الأوبرا، لتقديم أنماط فنية للمجتمع الأردني، الذي يتعطش للنمط الراقي من الموسيقى ولا تزال هذه الفكرة لا تتبلور عند المسؤولين”.

ويبين “كان من المقرر أن يتم إنشاء دار أوبرا في منطقة راس العين مكان مصنع الدخان القديم بعد استملاك أراضيه من قبل أمانة عمان الكبرى، وتم تشكيل لجنة للبدء بوضع مخططات للدار، ثم تفاجأنا بأن فكرة إنشاء صرح ثقافي عظيم تبخرت، وتحول المكان إلى “سوق الجمعة”.

فيما يجد المؤلف الموسيقي واستاذ الموسيقى العربية في جامعة اليرموك، الدكتور محمد غوانمة، أن سبب إحجام أبناء المجتمع الأردني عن التقدم لدراسة الموسيقى سببه قلة الوظائف التي يحصل عليها خريجو الموسيقى مقارنة بالمهن الأخرى، لأن الاعتماد الأساسي يكون على اختيار المواهب ذات القدرة الفنية العالية.

ويتفق غوانمة مع ما ذهب إليه سكرية، حول وجود مناهج تربية موسيقية مركونة لدى وزارة التربية والتعليم، تم تأليفها بإيعاز من الوزارة وهي موجهة للطلاب من الصف الأول الأساسي إلى الصف العاشر، داعيا لضرورة “تفعيل المناهج في الوزارة وأن يتم تطويرها كون تم اعتمادها قبل 10 سنوات، بما يتناسب اليوم مع التطور التكنولوجي والتقدم العلمي في مجالات الموسيقى المختلفة، وفي مجالات الوسائل التعليمية التكنولوجية الحديثة وطرق التدريس المختلفة”.

ويؤكد الحاجة إلى تعيين عدد كبير من معلمي الموسيقى في وزارة التربية والتعليم، كونها حالياً تحجم عن تعيينهم، لأنها لا تعتبر الموسيقى مادة أساسية، فضلاً عن ضرورة تخصيص مساحات لتدريس الموسيقى أسوة بالملاعب وقاعات المختبرات والمسارح.

وتطرق غوانمة إلى ضرورة تفهم أولياء الأمور لأهمية الموسيقى، وتشجيع أبنائهم على ممارستها، رائيا أن الكثير من أولياء الأمور يجدون أن الموسيقى تُلهي عن مذاكرة المواد التعليمية الأخرى.

ويقول: “لا بد لوسائل الإعلام توضيح أهمية الموسيقى في التربية والتعليم والمجتمع والثقافة، وأهميتها للأسرة في المجتمع الأردني، حتى تتقدم عملية التعليم الموسيقي في المدرسة”.

بدوره، يرى رئيس جمعية جوقة وأوركسترا النغم، الفنان مصطفى شعشاعة ، أن مفهوم التعليم الموسيقي لدى العديد من أولياء الأمور في عالمنا العربي يعد شكلا من اللهو والترفيه.

وفي هذا الصدد يبين أن هذا مفهوم خاطئ يدل على أننا لم نعمل على شرح وإيضاح الأهداف قصيرة المدى وبعيدة المدى من عملية تعليم الموسيقي للكبار وللأطفال، عبر حصة التربية الموسيقية في المدارس.

ويوضح شعشاعة، الذي قام بتدريس مادة التربية الموسيقية في عدد من المدارس منذ عام 1986 ولفترات عديدة، أن للموسيقى جانبها التربوي وجانبها الترفيهي، حيث تخرج الأطفال من أجواء التعليم الإلزامي الذي يكون مُملاً أحياناً أو مرهقاً للذهن أحياناً أخرى، فالاستماع للموسيقى يجعلهم يستمتعون بعملية التعلُّم ويكون إنتاجهم وفهمهم أكثر من باقي نظرائهم، الذين لم يتم منحهم الفرصة لتعلم الموسيقى.

ويعزو عدم تطبيق وزارة التربية والتعليم منهاج التربية الموسيقية التي أقرتها على المدارس لعدم تأهيل الأعداد اللازمة من المشرفين الذين من واجبهم زيارة المدارس للاطلاع عن كثب على سير العملية التربوية الموسيقية.

ويقول: “كان لي ومجموعة من معلمي التربية الموسيقية تحفظات على بعض مما ورد في تلك الكتب، بعد أن فقد معلمو الموسيقى دورهم الحقيقي، حيث يقوم بعض مدراء المدارس بالطلب منهم بتعليم مواد أخرى بدلاً من تعليم مناهج الموسيقى التي تم إعدادها، كما لوحظ أن الكثير منهم ليسوا مؤهلين كي يمارسوا عملية التربية الموسيقية”، لافتا إلى أهمية أن يكون معلم الموسيقى ماهراً في تربية الأطفال وتحقيق الأهداف المحددة للتربية الموسيقية.

ويطالب شعشاعة وزارة التربية والتعليم بوضع خطة واستراتيجية واضحة المعالم لمادة التربية الموسيقية، والعمل على إقرار الشروط اللازم توفرها لسير عملية التربية الموسيقية بالشكل الصحيح، وإصدار التعليمات اللازمة لمديرياتها وإلزامهم بتطبيق مناهج التربية الموسيقية.

وكان المجمع العربي للموسيقى الذي يتخذ الأردن مقراً له أصدر بياناً صحافياً أكد فيه ضرورة الاحتفاء بيوم الموسيقى العربية الذي يصادف الثامن والعشرين من آذار، وهو اليوم الذي شهد افتتاح مؤتمر الموسيقى العربية الأول الذي عقد في القاهرة عام 1932، بإبراز ديمومتها، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً وجذب أفراد المجتمع العربي على اختلافهم وتنوعهم إليها.

تاريخ النشر: 
2022.04.02 - 12:45 pm