الثورة الصناعية الرابعة ... بقلم : أ.د.خليفة ابوسليم/الجامعة الأردنية

مقالات ودراسات: الثورة الصناعية الرابعة ... بقلم : أ.د.خليفة ابوسليم/الجامعة الأردنية

تاريخ النشر: 
2023.09.14 - 6:15 pm

نسمع في الوقت الحاضر مصطلحات كثيرة جديدة علينا مثل مصطلح الذكاء الصناعي ومصطلح انترنت الأشياء ومصطلح الواقع الإفتراضي، وبعضنا يسمع بمصطلح الثورة الصناعية الرابعة. اود في هذه المقالة المبسطة ان ابيّن بعض هذه المفاهيم مع التركيزعلى مفهوم الثورة الصناعية الرابعة. لابد من السرد التاريخي لمفهوم الثورة الصناعية لأن المفاهيم مترابطة مع بعضها.
فالثورة الصناعية الأولى حوّلت الإقتصاد من الإعتماد على الزراعة الى صناعي، واستخدم في هذه المرحلة الفحم مصدرا للطاقة لتوليد الطاقة البخارية والتي عملت عليها الآلات ومنها طرق النقل. وفيها تم الإنتقال من الاستخدام اليدوي الى استخدام الآلات في التصنيع. وقد بدأت هذه المرحلة تقريبا في العام 1765 في بريطانيا عندما تم استخدام الفحم لأول مرة في الآلة البخارية. في هذه المرحلة نشأت عمليات تصنيع الأقمشة واستخدام المسطحات المائية في عمليات النقل بدلا من الدّواب، وبدأت التجمعات السكانية بالتكوّن حول المصانع انتقالا من المجتمعات الريفية.
اما الثورة الصناعية الثانية فقد بدأت تقريبا في العام 1870 عندما تم استخدام الكهرباء والنفط والغاز بديلا للفحم. تزامن ذلك مع اختراع آلة الإحتراق الداخلي حيث تظافرت هذه الوسائل لتطويرصناعة الصلب والمنتجات الكيماوية. في هذه المرحلة تم تطوير وسائل الإتصال من تلغراف ولاحقا التلفون وكذلك وسائل المواصلات الحديثة. ايضا في هذه المرحلة دخل الإنتاج الصناعي عصرالإنتاج الكمي والنوعي.
وخلال الثورة الصناعية الثالثة، والتي بدأت في العام 1969 تقريبا، استخدمت الإلكترونيات والطاقة النووية. وفيها شهدنا أتممة جزئية لعمليات الإنتاج اعتمادا على برامج حاسوبية معدة مسبقا. ومن الأمثلة على الأتممة الجزئية استخدام الروبوت في بعض عمليات الإنتاج.
اما الثورة الصناعية الرابعة والتي تعرف بثورة الإنترنت والطاقة المتجددة والتي يمكن ان يقال عنها انها بدأت مع بداية القرن الحادي والعشرين. في هذا التطور المذهل يتم تغيير قواعد اللعبة في نمط الإنتاج حيث يلتحم الواقع الإفتراضي بالواقع المادي في مصانع ذكية. في المصانع الذكية هذه تتواصل انظمة الإنتاج ومكوناتها مع المشغلين بواسطة الإنترنت ويصبح الإنتاج عملية مؤتممة كليا. في عمليات الإنتاج هذه تتوفر طاقات لاحصر لها في المصانع من ناحية التنبؤ بالخلل قبل وقوعه واطلاق عمليات الإصلاح، وتصبح عمليات الصيانة الوقائية والإستجابة لحالات التشغيل العابرة وغير المتوقعة سهلة وروتينية مما يوفرسهولة وفاعلية في عملية الإنتاج، فلا يضيع وقت في البحث عن مصدر الخلل. ايضا في هذه البيئة الإنتاجية المتطورة يستطيع الشخص الوصول الى المعلومة الصحيحة التي يريدها في الوقت المناسب مما يجعله اكثر فاعلية.
اذن هي الثورة الصناعية الرابعة والتي نعيش بداياتها والتي تبني على ماانتهت اليه الثورة الصناعية الثالثة من استخدام الكمبيوتر والنظام الرقمي. انها مفهوم جديد يربط بين الإنسان والآلة والكمبيوترعبر سحابة الإنترنت مما يسمح بعمليات الأتممة الكلية واستخدام الذكاء الصناعي وانترنت الإشياء. انها الثورة التي تعنى بربط ادوات الإنتاج مع بعضها مما يسمح لها بالإتصال فيما بينها بطريقة اكثر فاعلية. ذلك يعني استحداث عمليات انتاج ذكية ومؤتممة ومتصلة ببعضها دون تدخل الإنسان في المصانع الذكية.
على ان مفهوم المصانع الذكية يمكن ان يدخل في جميع مراحل الإنتاج من التحضير الاولي للمواد الداخلة في الصناعة الى عمليات الإنتاج والإدارة. وحتى يمكن ان يدخل في سلسلة التزويد للمواد الأولية وتوقع مصادر الخلل والموانع. لقد ادركنا اخيرا اهمية سلاسة سلاسل التزويد في العملية الإنتاجية. هناك امثلة كثيرة على ان للإختلالات في سلاسل التزويد تأثير مدمر في العملية الإنتاجية منها الإختلالات التي حدثت خلال جائحة كورونا، وكذلك الإختلالات التي نعيشها في الوقت الحاضر بسبب الحرب الأوكرانية الروسية. واحدث مثال على الإختلالات في مصادر التزويد والموانع ماتشهده فرنسا حاليا في ارتفاع السعر، فضلا عن عدم اليقين وامان التزويد، لخام اليورانيوم المستخدم في تصنيع وقود مفاعلاتها والمستورد من النيجر بسبب الظروف السائدة هناك، علما أن معظم الطاقة الكهربائية الفرنسية مولدة بواسطة الطاقة النووية.
تتميز الثورة الصناعية الرابعة عن سابقاتها بأنها تستفيد من عدة عوامل مساعدة تجعلها قادرة على التطور والتحول بشكل متسارع، من هذه العوامل:
- سحابة الإنترنت: حيث تجري العمليات الحسابية والتحليلية عبر الإنترنت (السحابة) وليس على الأجهزة المعنية ذاتها. هذه الخاصية هي حجر الزاوية في استراتيجية التصنيع. ان استخدام تقنيات السحابة يجعل عمليات التصنيع ابتداء من سلسلة التزويد الى التصنيع الى المبيعات وخدمة مابعد البيع متكاملة بدرجة كبيرة وفعالة. كذلك تسمح هذه الخاصية بجمع المعلومات اللازمة والبيانات من بيئات مختلفة
- الحسابات الآنية: تجري العمليات الحسابية والتحليلية في الآن الذي يتم فيه تكوين البيانات والمعلومات وليس بالزمن الماضي. لهذه الميزة فوائد متعددة منها السرعة وضمان الأمن والأمان
- انترنت الأشياء: في المصانع الذكية يتم تركيب مجسات على الآلات مرتبطة بالإنترنت تسمح بالأتصال المباشر والسريع بين آلات التصنيع المختلفة مما يعني الأتممة وسرعة الإتصال.
- الذكاء الصناعي والتعلم الذاتي: استخدام الذكاء الصناعي يسمح بتصنيع آلات قادرة على التعلم الذاتي من خلال المعلومات والبيانات الناتجة خلال عملية التصنيع. ان انظمة الذكاء الصناعي تسمح بتوفيرنظرة فاحصة للعملية الإنتاجية مما يضع الصانع او صاحب العلاقة في وضع متقدم على اية مسألة اومشكلة متوقعة في عملية الإنتاج.
- التوائم الرقمية: يقصد بها في عملية التصنيع ايجاد نسخة رقمية مطابقة للواقع المادي والعملياتي وخطوط الإنتاج في المصنع مما يحسن عملية الإنتاج ويقلل من زمن التعطل.
- التشبيك المادي والإفتراضي والذي يسمح بالتفاعل الآني مما يعطي فرص لانهائية للإبتكاروالتعاون العابر للمصانع والدول، وحتى يمكن ان يؤدي الى ابتكار تكنولوجيات متقدمة و تصنيع مواد جديدة وطرق انتاج مبتكرة بالدقة والنوعية والكمية المطلوبة.
هذه عُجالة عن الثورة الصناعية الرابعة من حيث المفهوم والتسلسل الزمني والأساليب والأدوات. من ذلك لايخفى أهمية هذا التطور في بناء ورفاه المجتمعات.